المقالات العلمية

المركز الاجتماعي للموارد البشرية(مقال)

المركز الاجتماعي للموارد البشرية يعمل على تقوية رأسمالها الرمزي، في محيطها الوظيفي، وهذه رغبة مشروعة، إذا ما اقترنت بوسائل مشروعة، وإذا كانت هذه الرغبة مبررة من حيث الطموح الشخصي في الارتقاء الوظيفي والاجتماعي، فإنها قد تكون مهددة للبناء الوظيفي للإدارة ككل، وتحمل تحديات على مستوى تنمية الموارد البشرية، وتطوير أدائها ومستواها الوظيفي.

تعريف المركز الاجتماعي الوظيفي

صالح النشاط

المركز الاجتماعي يعرف بالمكانة التي يطمح إليها الإنسان، أو المستوى المطلوب الذي يسعى إلى تحقيقه، وقد يكون هذا المركز ماديا؛ وذلك من خلال السعي إلى اكتساب مقومات مادية، كالزيادة في الأجر، والعلاوات والتعويضات وغيرها من المنافع المادية الأخرى التي تؤمن له مستوى معيشيا، وقد يكون هذا المركز الاجتماعي معنويا، وذلك من خلال الرغبة في الحظوة الإجتماعية، والمقام الأعلى في وسطه الوظيفي والاجتماعي.

مقالات ذات صلة

أسباب بناء المركز الاجتماعي الوظيفي

ومن جملة الأسباب التي تجعل بعض الموظفين يشتغلون على بناء مركزهم الاجتماعي، نجد الرغبة في تأكيد ذواتهم وتمييزها عن باقي الموظفين الآخرين، أو الاعتقاد بأن اكتساب بعض معالم هذا المركز أصبح يقاس بدرجة القرب من محيط سلطة الإدارة، ومن مركز القرار، والذي يسمح بهامش كبير في التصرف في الإمكانات التي تضعها الإدارة رهن إشارتهم. على اعتبار أن الفئة التي تمتلك قدرة كبيرة على التأثير الاجتماعي والوظيفي؛ هي الفئة التي تكون بالقرب من مركز سلطة القرار في الإدارة، فـ”السلطة السياسية أظهرت نفسها لمواطنيها ومجتمعها عادة أنها مصدر للجاه والمال والسلطان، وأن الوصول إليها سواء كانت منفردة أو مجتمعة إنما يكون عن طريق الولاء المطلق للسلطة”([1])، وذلك من خلال امتلاك هذه الفئات للشرط المادي والاقتصادي، أو في تموقعها الاجتماعي وتمركزها العلمي.

المركز الاجتماعي ومفهوم النخبة

يفرض هذا التحديد المعرفي إدخال هذه الفئة من الموارد البشرية الراغبة في تميزها عن غيرها، ضمن المفهوم الواسع لمصطلح “النخبة”، فأغلب الدراسات المنتمية الى حقل علم الاجتماع السياسي، تصنف النخبة في إطار “مجموعة الأفراد الذين يشغلون مراكز متميزة داخل مجتمع ما”([2])، وتتمتع بمجموعة من الخصائص الإجتماعية والسياسية وحتى الدينية، الشيء الذي يجعلها شريحة محظوظة ومقبولة، بل يُمَكنها من شغل “مراكز النفوذ والسيطرة في مجتمع معين”([3])، وهي تمارس تأثيرا هاما ـ من خلال تواجدها ضمن “قشدة” المجتمع، أو بصفتها تعبر عن طليعة هذا المجتمع ـ في تشكيل القيم وتحديد الاتجاهات والخيارات المجتمعية، من خلال امتلاكها للسلطة المادية والمعنوية، أو “ممارسة الضغط على صانعي القرارات الحكومية للتأثير عليهم، دون محاولة الوصول إلى السلطة”([4]).

 المفهوم الواسع للنخبة الوظيفية إذن، يشمل كل من يستطيع، من خلال ما يتوفر عليه من قوة مادية أو معنوية أن يؤثر في طبيعة القرار الذي تتخذه الإدارة سلبا أو إيجابا، وتكون النتيجة، هي سعي هؤلاء إلى التصدي لكل محاولة تقوم بها الإدارة لتنمية مواردها البشرية، لأن ذلك يحمل تهديدا لمصالحهم ومراكزهم داخل الإدارة، وتضايق وجودهم الوظيفي بالإدارة.

مهددات بناء المركز الاجتماعي الوظيفي

إن استحضار هذا المعطى، يساعد على تفسير طبيعة الإعاقة التي يتعرض لها موضوع تنمية الموارد البشرية، وذلك من خلال الانتباهين الآتيين:

أولا: الانتباه إلى الحد من الآثار السلبية التي تفرزها عملية إسناد المناصب والمسؤوليات داخل الإدارة، من حيث الاعتقاد، بأن المنصب أو المسؤولية هو مورد لاكتساب السمو الاجتماعي بالمجتمع، إضافة إلى اكتساب التقدير والاحترام في الوسط الوظيفي. وقد يكون في الاتجاه السلبي، وذلك من حيث استهداف تحقيق مصالح ذاتية ضيقة غير منسجمة مع منظومة المجتمع القيمية، وتكون على حساب المصلحة العامة ومقدرات المجتمع المشتركة. وهو ما يجعل هذا السلوك في تماس مع دائرة الفساد الإداري والذي يعني جملة من “السلوك المخالف للواجبات الرسمية”([5])، ويستهدف نقض أسس هذه المشترك القيمي، ومن تم يعتبر الفساد هو كل سلوك يريد الخروج عن منظومة القيم والقواعد الأخلاقية الإنسانية الناظمة للسلوك البشري السوي.

ثانيا: الانتباه إلى خطورة التفاوت في المراكز الاجتماعية للموظفين فيما بينهم، والذي يكون عائقا في كثير من الأحيان أمام كل المحاولات التي تستهدف تنمية الموارد البشرية، وهذا يدعو الإدارة إلى تخفيف هذا التفاوت من خلال تصنيف هذه الموارد، بحسب عناصر التجانس والتكامل فيما بينها، من جهة، ومن جهة أخرى، عبر تقوية المنظومة القيمية والأخلاقية التي يتأطر بها المجتمع، أفقيا وعموديا، حتى نتجنب كل الممارسات التي تستعمل مجموعة من الأخلاق الذميمة والقيم السلبية، مثل الغش والتحايل، والكذب والزور والسرقة، والرشوة والطمع والقذف وأكل أموال الناس بالباطل.

مؤثرات الوسط الوظيفي

كما يتوجب الانتباه الى مجموعة من المؤثرات التي أصبحت تنتعش في الوسط الوظيفي، وتهدد الموارد البشرية بالعقم الوظيفي، من أهمها سياسة التمييز التي يلجأ اليها بعض الرؤساء مع مرؤوسيهم، والقائمة على  الولاء للانتماء الحزبي أو الانتماء النقابي أو طبيعة شخصية الموظف،  أو اعتبار الزمالة والصداقة، وغيرها.

وحتى إذا لم تستطع منظومتنا القيمية من معالجة هذه الآفات الاجتماعية، فإن في تراثنا الشفهي، وحكاياتنا الشعبية ما يستقبح مثل هذه الأعمال، من الكذب والسرقة، وفساد الأخلاق والكبر والعجرفة والسخرية من الناس، والضحك على أذقانهم، ونزوعات الكيد والحقد والنكاية والتشفي([6])، وهذه بعض التيمات التي جاءت كرد فعل على تيمات أخرى أصبحت تترسخ؛ من قبيل: أن “المال يبدل الحال”([7])، وأن “المال قادر على وضع غلالة تغشي العين العيابة”([8])، و”احصل على المال ولسوف يتفق كل الناس على مناداتك بالسيد النبيل”، وأن “المال يصلح لشراء المسافة الاجتماعية”([9])، وهكذا من الأمثلة التي صاغها اللسان الشعبي، ودرج عليها السلوك الاجتماعي، فباتت تشكل القاعدة الخلفية لتوقيع العبث الوظيفي.

خلاصات

هذه الخلاصات وغيرها تجعل هندسة تنمية الموارد البشرية مطالبة بتعميق البحث السوسيولوجي والمسح الاجتماعي لمختلف المؤثرات والعوامل التي تساهم في تفكيك بنية شخصية الشخص الموظف والعامل، والاستعانة بالدراسات والمتخصصين في هذا الموضوع؛ أي أن الكشف عن مداخل تنمية الموارد البشرية من الناحية السوسيولوجية سيجعل من موضوع التكوين والتأهيل والتدريب موضوعا متكاملا يستند إلى دراسات بحثية اجتماعية لفهم مستويات القابلية الاجتماعية لفكرة التكوين في حد ذاتها، حتى لا تهدر الجهود والإمكانات، وبالتالي، يتم ضبط التوازن بين الموارد البشرية فيما بينها، أو فيما بينها وبين الإدارة.


اطلع أيضا على:

القائد في الإدارة الترابية

[1] عمر خياط، “مفهوم الفساد” مقالة من ص:47 إلى 58، المشاريع الدولية لمكافحة الفساد والدعوة للإصلاح السياسي والاقتصادي في الأقطار العربية، المنظمة العربية لمكافحة الفساد، ط/1، 2006، الدار العربية للعلوم بيروت، ص:51.

[2] رشيد كديرة، النخب الإدارية بالمغرب، أطروحة دكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس الرباط، 2004-2005الصفحة189

[3] محمد عاطف غيث، قاموس علم الاجتماع ، مرجع سبق ذكره، الصفحة 154

[4] سوزان كالفرت وبيتر كالفرت، السياسة والمجتمع في العالم الثالث، مرجع سبق ذكره، الصفحة 280

[5] منقذ داغر، علاقة الفساد الإداري بالخصائص الفردية والتنظيمية لموظفي الحكومة ومنظماتها،  ط/1،  2001، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية العدد 60، ص:10.

[6] أحمد العلج، الحكاية الشعبية ودورها في تقويم السلوك، مقالة من ص:165 إلى ص:176، من كتاب:الحكاية الشعبية في التراث المغربي، مطبوعات اكاديمية المملكة المغربية، سلسلة الندوات، مطبعة المعارف الجديدة الرباط 2006، ص:171.

[7] أندرو ليكي، قلة المال ص:167.

[8] أندرو ليكي، قلة المال ص:168.

[9] باسكال بروكنر، بؤس الرفاهية ديانة السوق وأعداؤها، ترجمة عبد الله ولد أباه،  ط/1، 2006، مكتبات ونشر العبيكان، ص:22.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى