استهلاك المحروقات في حظيرة سيارات الجماعات
تعتبر حظيرة السيارات التي تتوفر عليها الجماعات الترابية؛ جزء من الذمة المالية لهذه الجماعات، وهي موضوعة رهن إشارة موظفيها وأعوانها من أجل قضاء مصالح الجماعة، إلا أنه حينما يتم استغلال بعض سيارات الجماعة من طرف أشخاص غير تابعين لهذه الجماعة، فهذا يعتبر اختلالا ماليا، نظرا لتبعاته وكلفته المالية.
تسلك مجموعة من الجماعات عدة وسائل لاقتناء حاجياتها من المحروقات اللازمة لتشغيل معداتها من سيارات وشاحنات ودراجات وآلات وغيرها، وذلك بناء على اتفاقيات تبرم في هذا الصدد مع الشركة الوطنية للنقل والوسائل اللوجيستيكيةSNLT[[1]] لتزويده بالسيمات المعدة لهذا الغرض، أو بناء على سندات طلب يتم إصدارها في هذا الشأن لفائدة محطات الوقود.
وإذا كانت ميزانية الجماعة تتحمل هذا النوع من النفقات، فإن منطق الحكامة المالية يتطلب إجراء شفافية ووضوح على مستوى استهلاك الوقود والزيوت لفائدة حظيرة السيارات التابعة للجماعة.
ومن خلال مجموعة من التحريات والمقابلات الشخصية التي تم عقدها مع بعض المنتخبين المحليين، تبين أن تدبير المرآب البلدي ما زال يعرف العديد من الإختلالات، التي قد يصل بعضها إلى حد التلاعب، وقد استطاعت تقارير المجالس الجهوية للحسابات في تقاريرها الافتحاصية لعدة جماعات، أن تعبر عن تلك الإختلالات بعنوان: “عدم التقيد بقواعد تنفيذ النفقات عند اقتناء محروقات حظيرة السيارات والآليات”، وقد أخذت تلك الاختلالات الصور الآتية:
أولا: تحمل مصاريف الوقود لفائدة سيارات غير تابعة للجماعة
من بين الاختلالات المالية التي تصيب حظيرة السيارات، هناك منح شيات استهلاك الوقود لفائدة سيارات غير تابعة للمرآب الجماعي، وهي توجد إما في ملكية أشخاص كموظفين في الجماعة، أو بعض أفراد من السلطة المحلية القريبة من محيط الجماعة، أو بعض الأفراد العاملين ببعض المصالح والوكالات والمؤسسات التي لها علاقات “تعاونية” مع الجماعة.
حيث يتم تخصيص منح شهرية من الوقود لفائدة سيارات خاصة بأعضاء المجلس الجماعي وموظفي الجماعة، وكذا موظفي السلطة المحلية، فضلا عن استغلال بعض الموظفين التابعين لوزارة الداخلية لسيارات خاصة على حساب ميزانية المجلس الجماعي، وفي ذلك مخالفة لظهير سنة 1998، والذي يمنع على موظفين في قطاعات حكومية أن يستغلوا سيارات تابعة لمجالس المنتخبين.
ثانيا: ضعف شفافية استهلاك المحروقات والزيوت
تظهر مجموعة من الاختلالات على هذا المستوى، وذلك حينما تقوم جماعة بالاستعمال غير القانوني للسيمات الخاصة باستهلاك المحروقات، حيث يتبين ذلك من خلال تعمد جماعة معينة إلى استعمال دفاتر لأذونات خاصة مسلمة من طرف محطات الوقود بدل السيمات المسلمة من طرف الشركة الوطنية للنقل والوسائل اللوجيستيكية، وتكون هذه متضمنة لمبالغ مالية في ذمة الجماعة، ويكون هذا الاستعمال بهدف التستر على كشف أرقام السيارات المستفيدة.
وتوجد لذلك أمثلة من تقارير المجالس الجهوية للحسابات، حيث يكون استهلاك الوقود الخاص بهذه السندات بواسطة أذونات تسلم للمستفيدين الذين يقتنون بواسطتها كميات الوقود المطابقة لها من لدن محطات البنزين، ليتم بعد ذلك تسوية مجموع هذه المبالغ بواسطة سندات الطلب.
كما أن النظر في تقارير المجالس الجهوية للحسابات تكشف أن دفاتر أذونات الطلب والتسليم الخاصة بتزويد سيارات وآليات المرآب الجماعي، لاتعكس الإستهلاكات الحقيقية لهذه السيارات، إذ يتم استعمال دفاتر أذونات أخرى من طرف الجماعة، غير تلك المسلمة من طرف الشركة الوطنية للنقل، تحتفظ بها محطة الوقود التي تقوم بالتزويد. وبعد تجميع مبلغ معين، يتم إحضار هذه الأذونات من طرف المحطة واستبدالها لدى الجماعة بأذونات الشركة الوطنية للنقل بعد تعبئتها بالمبلغ المستهلك والحصول على نظير هذا المبلغ من الشيات. ويتم اللجوء إلى هذه الطريقة نظرا لعدم اقتصار استهلاكات الوقود، المتحملة من طرف الجماعة، على السيارات والآليات التابعة لها[[6]].
كما أنه يتم تسجيل مفارقات على مستوى كميات “الكازوال” المقتناة بواسطة سند الطلب في مقابل أن الجماعة لا تتوفر على خزان لاستيعاب هذه الكميات الكبيرة[[7]]. فإن هناك أسبابا تقف وراء هذه الاختلالات التي تطبع عملية الاقتناء للمحروقات، من بينها؛ أن غالبية الجماعات تفضل أسلوب سندات الطلب في اقتناء المحروقات، والمعروفة ب”سندات التسوية” والتعامل مباشرة مع محطات الوقود؛ لأن عدد ممتلكات الجماعة من السيارات والآليات لا يلبي كافة الحاجات والمصالح التي تريد الجماعة قضاءها، فتلجأ الجماعة إلى الاستعانة بسيارات أخرى مملوكة في أسماء أصحابها، وغالبيتهم من أعضاء المجلس الجماعي، فيتم تزويدها بالوقود اللازم لذلك، كما أن هناك أسبابا أخرى غير مفهومة، تقف وراء منح بعض سيارات الأشخاص أو المصالح التي لا علاقة لها بالجماعة بالمحروقات، وهذا من شأنه أن يرفع وتيرة الطلب على هذه المحروقات.
يذكر أن الجماعات الترابية في المغرب قد توصلت بدوريات من المصالح المركزية بوزارة الداخلية. وبتنسيق مع رئاسة الحكومة، حول تدبير حظيرة سيارات الخدمة. تمنع بموجبها إستعمال سيارات الدولة خارج أوقات العمل وأيام السبت والأحد دون إذن مسبق من الإدارة. فضلا عن إحترام مدار السير داخل الدائرة المحددة في الأمر بالتنقل والحصول على إذن كلما تعلق االأمر بخلاف ذلك. يأتي هذا في زمن بدأت العديد من الجماعات في اقتناء سيارات “فاخرة” لرؤسائها وبعض موظفيها، في الوقت الذي تعيش فيه الجماعة نقصا حادا على مستوى مواردها وإمكاناتها المادية لمواجهة المطالب التنموية للجماعة ومرتفقيها وسكانها.
بقلم صالح النشاط
[1] المكتب الوطني للنقلONT سابقا.
[2] تقرير المجلس الأعلى للحسابات ، ج.ر: عدد 5676م، ، ص3495.
[3] تقرير م.أ.ح ، ج.ر: عدد 5823م، ص:1793.
[4] تقرير م.أ.ح ، ج.ر: عدد 5588، ص:4382.
[5] تقرير م.أ.ح. ، ج.ر: عدد 5676م، ص:3539.
[6] تقرير م.أ.ح ج.ر: عدد 5823م، ص:1792.
[7] تقرير م.أ.ح. ج.ر: عدد 5676م، ص:3539.