المقالات العلمية

الفتوى بين الإحجام والإقدام

 الفتوى هي  الإخبار بحكم شرعي من غير إلزام، وهي تختلف عن حكم القضاء  الذي يتميز بإلزام الحكم الشرعي بعد الإخبار به،  تعتبر الفتوى  فرض من فروض الكفاية، يلجأ إليها في حالة الضرورة.

وهي تعبر عن الاستثناء في بيان أحكام  الدين، لأن الأصل هو ما بينته الشريعة الإسلامية، وأي طارئ  أو مستجد إلا ويجد مكانه على خريطة مقاصد الشريعة الإسلامية.

ولذلك اعتبر فقهاء الإسلام  الفتوى بمثابة الجواب عن نازلة ما أو مسألة ما، فكثيرا منهم  من صنف في هذا المجال تحت اسم هذه المسميات من قبيل: الأجوبة والنوازل والمسائل، ونذكر على سبيل المثال، اشهر  المذاهب الفقهية وبعض المنتسبين إليها من الفقهاء القدامى والمعاصرين  على الشكل التالي [[1]] :

المذهب المالكي:

  • المعيار المعرب  عن فتاوى  أهل أفريقية  والأندلس  والمغرب لأبي  العباس أحمد بن يحيى  الونشريسي؛
  • نوازل سيدي علي بن عيسى العلمي؛
  • نوازل محمد بن   الحسن المجاصي؛
  • نوازل عبد القادر الفاسي  الصغرى والكبرى؛
  • الأجوبة العباسية لأحمد بن محمد العباسي السملالي؛الأجوبة التيدية في مذهب السادة المالكية لسيد عبد الله  التيدي  المالكي الأزهري؛
  • الأجوبة الناصرية  لسيدي محمد بن ناصر الدرعي

    المذهب الحنفي:

  • الفتاوى البزازية؛
  • الفتاوى  الكاملية؛
  • الفتاوى الخانية.

    المذهب الشافعي:

  • فتاوى الإمام النووي المسماة بالمسائل المنثورة؛
  • فتاوى علي بن عبد الكافي السبكي؛
  • كتاب الفتاوى لعز الدين بن  عبد السلام.

    المذهب الحنبلي:

  • مجموع فتاوى ابن تيمية؛

    فتاوى المتأخرين:

  • فتاوى محمد رشيد رضا؛
  • الفتاوى لمحمود شلتوت؛
  • يسألونك  في الدين والحياة لأحمد الشرباصي؛
  • من هدي الإسلام فتاوى معاصرة ليوسف القرضاوي؛
  • الفتاوى لمحمد المذكوري  كنوني المغربي.

 الفتوى هي توقيع عن رب العالمين

    [المفتي قائم  في الأمة مقام النبي صلى الله عليه وسلم] في بيان الشرع  للأمة، كما يقول الإمام الشاطبي[[2]]، وعليه  فمهمة الإفتاء  تكتنفها حساسية  خطيرة، ومسؤولية كبيرة، سيما إذا استحضرنا ما قاله الإمام ابن قيم الجوزية من كون أن  الفتوى هي توقيع عن رب العالمين، ولذلك طالب علماء الأمة الإسلامية بضرورة وضع مراقبة صارمة على كل من يريد ولوج هذا المجال، فاشترطوا عدة شروط  وضوابط، منها الذاتي، المنهجي والموضوعي، مثل أن يكون المفتي مسلما عالماً بالقرآن الكريم وعلومه والسنة النبوية وأصولها وفروعها، ومعرفة مصطلح الحديث واللغة العربية وقواعدها وكيفية الخروج من الخلاف إذا تعارضت ظواهر النصوص، وخبرة موضوعية بالحياة ومستجداتها ومؤثراتها من خلال إدراك آلية الترجيح بين حدود المصالح والمفاسد، وقد أجمل ذلك ابن مسعود رضي الله عنه في شرط العلم قائلا:[من كان عند علم فليقل به؛ ومن لم يكن عنده علم فليقل الله أعلم، فإن الله قال لنبيه: قل ماأسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين][[3]]

الفتوى الجاهزة والسريعة

    المتأمل في عدد الفتاوى الصادرة خلال السنوات الأخيرة  يلحظ مدى التدفق الهائل لعدد الفتاوى الصادرة، إلى درجة أننا أصبحنا نشك في مصداقية تلك الفتاوى، سيما تلك التي تذاع مباشرة على القنوات الفضائية، وعلى شبكات الانترنيت، دون أخذ الحيطة في ذلك، من أخذ الوقت الكافي لتقليب النظر على منوال  المقاصد الشرعية، وتجنبا لامكانية الوقوع في مصيدة الأسئلة الملغمة، فيتم توريط  الإسلام وشريعته باسم الإسلام وشريعته. وهو من ذلك براء.

    فقد اختفت كلمة “لا أدري”، وأصبح التجرؤ على الفتيا سمة لهذا العصر فالتبحر في شبكة الانترنيت  للبحث عن المواقع ذات الخطاب الديني الإسلامي، يعطي صورة عن التضخم الذي حصل في إشباع الحاجة الإنسانية إلى الفتوى، فأغلب المواقع الانترنيتية اتخذت لها نافذة تجيب من خلالها على الفتاوى والنوازل ومختلف المسائل.

  الأصل في الفتوى هو الإحجام لا الإقدام  

قديما، كان الناس يقطعون مئات الأميال، ويتكبدون مشاق ومخاطر السفر من أجل الحصول على رأي العلماء  في نازلة من النوازل، ومع ذلك لم يكونوا يحصلون  إلا على الشيء القليل، بحجة أن العلماء كانوا يتحفظون على كثير من المسائل، خشية أن يكون إقدامهم على إعطاء  جواب فيه تجرؤ على الفتيا المفضي إلى التجرؤ  على النار، فكان قولهم  في غالب الأحيان : لا أدري، إتخاذا للحيطة  في أن يقولوا شيئا، أو يصدروا حكما يخالف حكم ومقصد الشريعة الإسلامية.

   ولذلك كان السابقون من هذه الأمة   يتشددون في تعاملهم مع موضوع الفتوى نسبيا، فكانوا يردفون فتاواهم بالعبارة المشهورة التالية:  هذا رأيي فإن كان صوابا فمن توفيق الله تعالى، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان، ولقد صور أبو حصي الاسدي ذلك حينما قال: [إن أحدهم ليفتي في المسألة ولو وردت على عمر لجمع لها أهل بدر][[5]]، أو في أحسن الأحوال، كان المفتي يطلب مزيدا من التوضيح  والبيان في السؤال حتى يتبن من النازلة ومن صاحبها، وهذا ما ذكره  ابن قيم الجوزية حينما تحدث عن فوائد تكرير السؤال، حيث قال [وكان أيوب إذا سأله السائل قال له: أعد، فان أعاد السؤال كما سأله عنه أولا أجابه، وإلا لم يجبه، وهذا من فهمه وفطنته رحمه الله، وفي هذا فوائد عديدة : منها أن المسالة تزداد وضوحا وبيانا بتفهم السؤال ، ومنها أن السائل لعله أهمل فيها أمرا يتغير به الحكم فإذا أعادها ربما بينه له، ومنها أن المسؤول قد يكون ذاهلا عن السؤال أولا، ثم يحضر ذهنه بعد ذلك ، ومنها انه ربما بان له تعنت السائل وانه وضع المسالة ؛ فإذا غير السؤال  وزاد فيه  ونقص فربما ظهر له أن المسالة لا حقيقة لها، وأنها من الاغلوطات أو غير  الواقعاتالتي لا يجب الجواب عنها؛ فان الجواب بالظن انم يجوز عند الضرورة، فإذا وقعت المسالة صارت حال ضرورة فيكون التوفيق إلى الصواب اقرب  والله اعلم][[6]].

صالح النشاط


[1] محمد رياض، دليل الثقافة الإسلامية، التعريف بها، وبفروعها وبأهم المؤلفات فيها، ص99جامعة القاضي عياض مراكش ]

[2]الشاطبي،الموافقات، ص  253 المجلد الخامس، ط1، 117-1997 دار ابن عفان للنشر]

ابن قيم الجوزية،إعلام الموقعين عن رب العالمين،ص166، الجزء1و2، دار الفكر بيروت] [3]

[4]همام عبد المعبود : المحرر بالقسم الشرعي بشبكة “إسلام أون لاين.نت / موقع الوحدة الإسلامية على شيكة الانترنيت www.alwihdah.com]

5 ابن قيم الجوزية،إعلام الموقعين عن رب العالمين،ص166، الجزء1و2، دار الفكر بيروت]

6 المرجع السابق،ص168

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى