المقالات العلميةمدخل إلى القانون الإداري والتنظيم الإداري

التفويض الإداري

يقصد بالتفويض أن يعهد الشخص الإداري بمقتضى قرار ببعض اختصاصاته التي يستمدها من القانون إلى شخص إداري آخر ليمارسها من دون الرجوع إليه، مع بقاء مسؤوليته عن تلك الاختصاصات المفوضة

في التفويض هناك شخصان، الأول يسمى المفوِّض، وهو صاحب الاختصاص الأصلي(الملك/ رئيس الحكومة/ وزير/ رئيس مجلس جهة/ عمالة أو إقليم/ جماعة..) الذي يفوض إلى من هو تابع له؛ مثلا (الملك يفوض لرئيس الحكومة رئاسة المجلس الوزاري)، أو (رئيس الحكومة يفوض لوزير الفلاحة كذا وكذا)، أو (وزير الصحة يفوض للكاتب العام لوزارة الصحة كذا وكذا)/ أو (رئيس مجلس الجهة يفوض إلى نائبه الأول كذا وكذا)/ وهكذا… وللمفوض الحق في إلغاء التفويض أو سحبه من المفوض إليه، كما يملك أن يعدله ويغيره.والشخص الثاني هو المفوض إليه، الذي سيسند إليه ممارسة الأختصاصات موضوع التفويض.

إن ممارسة سلطة التفويض تستند إلى وجود نص قانوني أو تنظيمي يسمح بذلك، (دستور/ قانون/ مرسوم/ قرار..) وأن يصدر التفويض من سلطة مختصة قانوناً بإجرائه، كما إن الأصل في التفويض أن يكون جزئياً، أي إنه لا يجوز تفويض كامل الاختصاص، كا أنه لا يجوز تفويض بعض الاختصاصات المهمة وذات حساسية كبيرة في المنصب أو طبيعة عمل الإدارة، كالتعيين في المناصب السامية، أو وضع سياسة عمومية قطاعية…فهذه اختصاصات لا يمكن تفويضها إلى الغير. كما يشترك أيضا عدم جواز تفويض الاختصاصات المفوَّضة. كما يجب أن تكون حدود التفويض واضحة: إذ يجب أن يكون التفويض سليماً من الناحية القانونية، مستوفياً الأوضاع والشروط التي حددها القانون.

تهدف فكرة التفويض إلى تحقيق عدة أهداف: من أبرزها: تخفيف العبء عن الرئيس الإداري بتوزيع سلطاته ومسؤولياته واختصاصاته، وتشجيع الموظفين المرؤوسين على تحمل المسؤوليات وتدريبهم عليها، والتخلص من فكرة تركيز السلطة بما تحمله من مخاطر عديدة، كتسلط الرؤساء واستبدادهم، وتحقيق التواصل والقرب بين الإدارة ومسؤوليها، وبين المواطنين، فضلا عن تحقيق السرعة في انجاز الخدمات الإدارية لفائدة المرتفقين.

 ويكون التفويض عبر أسلوبين، وهما: أسلوب التفويض في الاختصاص، وأسلوب التفويض في التوقيع.

تفويض الاختصاص/ تفويض السلطة
يتحقق هذا النوع من التفويض حينما يتم نقل جزء من السلطة أو الاختصاص من المفوِّض إلى المفوَّض إليه، وهكذا يتجرد صاحب الاختصاص الأصيل بناء على رغبته وسلطته التقديرية من بعض صلاحيـاته ليمـارسها الشخص الذي تم اختيـاره في الحدود التي رسمها القانون ليمارس الاختصـاصات أو الصلاحيات المفوضة له.

ويكون للمفوَّض إليه الحق في إصدار قرارات نهائية في الاختصاصات التي تم تفويضه في ممارستها من دون الرجوع إلى المفوض صاحب الاختصاص الأصلي بشأنها.

ويكون قرار التفويض بالإختصاص عاما ومجردا وموجها لصفة بعينها، وليس لأسماء معينة؛

مثال: رئيسُ الحكومة يفوض لوزير الفلاحة في كذا وكذا… وفي حالة إذا تغير رئيس الحكومة أو وزير الفلاحة فإن هذا التفويض يبقى ساريا في حق كل من اكتسب صفة وزير الفلاحة، إلا إذا أرتأى رئيس الحكومة الجديد مراجعة التفويض فذلك من حقه. وهذا يعني أن التفويض في الاختصاص لا يقوم على أساس العلاقة الشخصية، فهو يتسم بصفة الموضوعية، إذ تنتقل فيه الاختصاصات من المفوِّض بصفته الوظيفية إلى المفوَّض إليه بصفته الوظيفية أيضاً وليس بصفته الشخصية، ويترتب على ذلك أن يظل التفويض سارياً وقائماً حتى لو تغير المفوِّض أو المفوَّض إليه، وعلى هذا الأساس فإن هذا النوع من التفويض يظل مستمرا وقائما ولا يتغير بتغيير الأشخاص مادام هذا التفويض ساري المفعول، إلا إذا صدر قرار صريح بإلغائه أو تعديله.

هذا مثال لقرار تفويض اختصاص/سلطة، أي أن وزير التربية الوطنية فوض مجموعة من الاختصاصات إلى الأكاديميات الجهوية لممارستها، أيا كان اسم مدير الأكاديمية.. فالعلاقة هنا بين وزارة وأكاديمية، ولا يهم اسم الوزير ولا اسم مدير الاكاديمية، فهذا اختيار الدولة في أن تسند إلى الأكاديميات سلطة اختيار وتعيين الموظفين والأساتذة العاملين بالأكاديمية،

بمعنى آخر؛ إن التوظيف في سلك التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي لم يعد من اختصاص وزارة التربية الوطنية، وإنما أصبح من اختصاص الأكاديميات ابتداء من تاريخ القرار،لأن هذه الأكاديميات هي مؤسسات عمومية بمقتضى القانون 07.00

وهو تفويض شخصي يأخذ بعين الاعتبار شخصية المفوض إليه، فهو يبنى على الثقة بين الطرفين، وينتهي هذا التفويض بتغير المفوض أو المفوض إليه. ويتحقق هذا النوع من التفويض عندما يقوم المفوض بناء على رغبته وسلطته التقديرية بتفويض بعض مهامه إلى شخص آخر للقيام بالتوقيع نيابة عنه على بعض التصرفات أو الوثائق الإدارية. ويتم هذا التوقيع دائما باسم ولحساب وتحت مسؤولية المفوض. ويكون قرار التفويض مضمنا الاسم العائلي والشخصي للمفوض له، وموقعا من قبل المفوض؛

ويبقى من واجب المفوِّض أن يستمر في رقابة المفوض إليه ومتابعة قراراته وتوجيهه بصفة مستمرة. وقد تقرر ذلك المبدأ حتى لا يفرط الرؤساء في تفويض مرؤوسيهم إلى مدى يفوق ما تستلزمه حاجة العمل أو إلى أشخاص ليسوا على مستوى تحمل مسؤولية أعمال تدخل في اختصاص من هم أعلى منهم مستوى.

أمر شخصي

فتفويض الإمضاء هو أمر شخصي يتعلق بشخص المفوِّض والمفوَّض إليه ولذلك فهو ينقضي بتغيير المفوض صاحب الاختصاص الأصلي أو المفوض إليه، وذلك نقيض تفويض السلطة المجرد من الصفة الشخصية. لا يحرم هذا النوع من التفويض، المفوِّض صاحب الاختصاص الأصلي من حقه في التوقيع إلى جانب توقيع المفوض إليه، حيث تحتفظ السلطة المفوِّضة الأصلية بدور الفاعل الحقيقي لتصرف المفوض إليه.

وبالتالي عندما يقوم المرؤوس المفوض إليه بالتوقيع فإنه يفعل ذلك باسم الرئيس المفوِّض وعلى مسؤوليته الكاملة، وذلك بخلاف تفويض السلطة الذي يجعل من المفوض إليه الفاعل الحقيقي للتصرف حيث يؤدي تفويض الاختصاص إلى تغيير وتعديل في توزيع الاختصاصات .

مثال

في هذا المثال، قرر وزير الداخلية تفويض إمضاءه إلى ولاة الجهات بأسمائهم، من أجل الإمضاء نيابة عن الوزير على الأوامر الصادرة للمنتخبين والموظفين التابعين للجماعات الترابية، أي أن العلاقة هنا بين وزير الداخلية وأشخاص بأسماءهم وصفاتهم، وهي علاقة قائمة على الثقة الموجودة بين الوزير والوالي، فإذا تغير الشخص محمد… والي جهة طنجة تطوان الحسيمة، (على سبيل المثال)، وتم تعيين شخص آخر مكانه اسمه عبد القادر مثلا كوالي للجهة، فإن هذا القرار رقم 675.19 لا يعنيه، ولا يحق لعبد القادر أن يمضي نيابة عن وزير الداخلية ما كان يمضيه الوالي السابق محمد…


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى